توليه العرش
تزوج أبيه تحتمس الثاني من أخته حتشبسوت ولم ينجب منها فتزوج بأخرى وأنجب منها تحتمس الثالث. توفى تحتمس الثاني في عام 1479 ق.م. تاركا العرش لابنه تحتمس الثالث، الذي لم يكن عمره قد تجاوز السادسة. وقامت حتشبسوت، وهي عمته وزوجة أبيه في آن واحد، بتنصيب نفسها وصية على عرش الملك الصغير تحتمس الثالث. وبعد عامين، نصبت نفسها ملكة للعرش، وحكمت لمدة عشرين عاما. [3]بعد ذلك اختفت، واعتلى تحتمس الثالث عرش والده في عام 1455 ق.م..
حملاته العسكرية
بمجرد اعتلاء تحتمس الثالث العرش اضطر الى التصدي للثورة التي اجتاحت الامارات الآسيوية المتحالفة، في أعقاب وفاة حتشبسوت. وقام هذا التحالف الذي تزعمه أمير قادش بتحريض من الميتاني. واضطر تحتمس الثالث الى القيام بما لا يقل عن سبعة عشرة حملة عسكرية قبل أن ينجح في السيطرة على الأوضاع المتأزمة. والميتاني هي التسمية السياسية التي عرفت بها حضارة الحوريين المعاصرة للكاشيين في بابل. وقامت امبراطوريتهم على أنقاض امبراطورية حامورابي فبلغت أوج ازدهارها في القرن الخامس عشر ق.م. ويقع قلب الامبراطورية في المنطقة المحصورة بين دجلة و[الفرات] جنوب جبل طوروس، وتمتد لتشمل سوريا وكردستان شمالا ثم تصل إلى أرض فلسطين وهي المنطقة التي شهدت المواجهة بين الميتاني وبين المصريين منذ عهد أحمس. قالب:كتاب تاريخ مصر القديمة
فكان هدف المصريين رد الآسيويين الذين يهددون حدودهم ومطاردتهم بعيدا قدر استطاعتهم. أما هدف الميتاني فكان توريط منافسيهم الخطرين في نزاعات محلية شريطة ألا يتجاوزوا سوريا حتى لا يتحولوا إلى تهديد مباشر لامبراطوريتهم. وتحقيقا لأهدافهم أذكوا نار الصراعات التي مزقت منذ أمد بعيد هذه الامارات الصغيرة، فتبنوا سياسة بعيدة النظر بنوها على أساس تغيير تحالفتهم حسبما تقتضيه المصلحة.
ومرت المجابهة بين المصريين والميتانيين بمراحل خمس، يمكن متابتعها من خلال الحوليات التي نقشها تحتمس الثالث في معبد آمون رع على مقربة من مقصورة المركب المقدس. وكان لتدوين هذه النصوص هدفان: أحدهما تذكاري والآخر عملي. فهي سرد للأحداث وفقا لأسلوب درامي ارتبط بالروايات الملكية التقليدية يصاحبه بيان تفصيلي بالمغانم التي جلبتها الجيوش المصرية – بعد كل حملة على حدة والتي كرست لآمون رع.
الحملة الأولى
معركة مجدو
- مقالة مفصلة: معركة مجدو
في المرحلة الأولى تصدى تحتمس الثالث للأخطار التي كانت تحتاج الى حلول عاجلة وملحة. ففي العام 22/23 من حكمه شن حملة عسكرية استطاع من خلالها اعادة فتح بلاد رتنو. فبدأ مسيرته من شرق الدلتا وصعد إلى غزة متجها إلى يحم (وهي بلدة إيما حاليا، وتقع جنوب جبل الكرمل). ثم وصل الى سهل مجدو بجيشه 100000 جندي حتى وصل إلى شمال فلسطين، وسار في طريق ضيق حتى يفاجئ العدو منه، ثم نزل سهل مجدو، فحاصرها تحتمس الثالث، ولم يعد إلى مصر إلا بعد أن أعاد النظام والاستقرار إلى جنوب سوريا. يقول أحد المؤرخين عن قوة مصر في زمن الملك تحتمس الثالث: "لا توجد هناك قوة في بلاد الشرق الأدنى تستطيع أن تواجه الجيش المصرى الذى نال تدريباً عسكرياً ممتازاً، وفاز بقيادة ملك عبقرى هو فرعون مصر العظيم …".[4] وعندئذ استطاع أن يواصل سيره الى صور. وفي الطريق اليها استولى على مدن ينوعمو ونوجس (نهاسة جنوب حلب) ومهرنكارو. وهكذا نجح في تحطيم الجاح الغربي للتحالف المعادي ثم اخذ يتقدم صوب المرافئ التقليدية التي تطل مصر من خلالها على البحر المتوسط.
الحديقة النباتية بالكرنك
تحقق هذه الفتوحات نتيجة للحملات الثلاث التالية التي شنها من العام الثاني والعشرين وحتى العام الرابع والعشرين. فقام كل عام بجولة تفقدية لضمان جباية الجزية التي فرضت على المغلوبين وفي عدادهم أمراء آشور ورتنو. كما استولى على محصول قمح سهول مجدو ونقله الى مصر بالاضافة الى عينات عديدة من الحيوانات والنباتات السورية. وقد خلد ذكرى هذا الجانب من حملة العام الخامس والعشرين فصور حديقة نباتات حقيقية على جدران القاعة التي أنشأها بالكرنك شرقي بهو الاحتفالات. وهذه الحديقة مماثلة لما ورد من أوصاف في معبد حتشبسوت بالدير البحري عن نباتات وحيوانات بلاد بونت. ويضطلع كلاهما على ما يعتقد بنفس دور "مشاهد فصول السنة" للملك سني أوسر رع من حيث التأكيد على عالمية عبادة الشمس التي التزم بها ثلاثتهم.
حملات چاهي وقادش
من العام التاسع والعشرين إلى العام الثاني والثلاثين هاجم تحتمس الثالث [چاهي] وقادش. وفي البداية عمل على تأمين الواجهة المطلة على البحر، فاستولى على مدينة أولازا عند مصب نهر البارد التي كانت في قبضة أمير تونيب المتحالف مع قادش ونهارين. كما استولى على أرداتا الواقعة على مسافة بضعة كيلو مترات جنوب غرب طرابلس. وبعد أن اجتاحت القوات المصرية منطقة أرداتا وأتلفت محاصيل وبساتين فاكهة استولت على جاهي التي أسبغت عليها النصوص أوصافا جعلت منها كابوا سوريا الشرق:
"عندئذ اكتشف جلالته أشجار سائر بلاد جاهي مثقلة بما تحمله من ثمار. وأخيرا اكتشف النبيذ وهو يفيض كالماء من معاصرهم. والقمح جمعوه في البيادر في كميات تجاوزت حبات رمال الشاطء. وأخذ الجيش منها كفايته".
وبقيام الحملة السادسة في العام التالي وصل المصريون إلى سوريا عن طريق البحر ثم واصلوا السير حتى وصلوا قادش فاجتاحوها هي والمناطق المحيطة بها. ثم ارتدوا ثانية صوب الشاطئ وأخذوا بعد ذلك يتقدمون نحو سيميرا الواقعة شمال مصب النهر الكبير لينقضوا فيما بعد على أرداتا التي كانت قد تمردت على الحكم المصري على ما يبدو خلال هذه الفترة. وتجنبا لقيام ثورات أخرى تبنى تحتمس الثالث سياسة نقلتها عنه روما فيما بعد. فقرر أن يرافقه الى بلاط مصر ستة وثلاثون من أبناء زعماء البلاد المفتوحة كرهائي. وأمر بتربيتهم تربية مصرية قبل أن يعيدهم إلى بلادهم ليخلفوا أباءهم. ومع ذلك لم تصل عملية إقرار السلام إلى منتهاها. فقد قاد الملك في العام التالي حملة سابعة ضد أولازا، وفي أعقاب استسلام أولازا خضعت الموانئ الفينيقية وأمن الملك ما يصلها من إمدادات من مناطق البلاد الداخلية ليحول دون انقلاب الأوضاع من جديد. وبعد عودته إلى مصر استقبل وفدا حضر من بلد آسيوي – لم يتم التحقق من اسمه – لتقديم فروض الولاء والطاعة لمليك مصر.
وحتى الآن كانت الحوليات تكتفي بسرد المعارك التي دارت رحاها في مناطق سوريا وفلسطين. وفي العام الحادي والثلاثين أشارت الحوليات للمرة الأولى إلى الجزية التي سلمتها كوش وواوات. واستمر ظهور هذين الاسمين حتى العام الثامن والثلاثين من حكمه، ولكنهما ترددا فيما بعد بشكل متقطع دون أن يعني ذلك بالفعل ظهور القلاقل أو الاضطرابات. وسوف يكتفي تحتمس الثالث بشن حملة واحدة قرب نهاية حكمه في العام الخمسين للوصول بحدود الامبراطورية حتى الجندل الرابع حيث بسطت مصر نفوذها من قبل. وبالفعل ترجع أقدم وثيقة معروفة من جبل البركل إلى العام السابع والأربعين من حكم تحتمس الثالث.
جولات كنعان وسوريا
ودخلت الحروب الآسيوية طورا جديدا في العالم الثالث والثلاثين بوقوع صدام مباشر مع الميتاني. وكان نهر الفرات يعترض الطريق اليهم ويحميهم، فهو حاجز طبيعي لابد من اختراقه للوصول إليهم. ووصل المصريون إلى قطنة أي إلى مدينة مشرفة الواقعة شرقي نهر العاصي واحتلوها، ثم واصلوا سيرهم متجهين إلى نهر الفرات، فعبره تحتمس الثالث وأقام لوحا تذكاريا الى جانب اللوح الذي أقامه جده، ثم صعد شمالا. وأتى على الاخضر واليابس في المنطقة الواقعة جنوب قرقميش. وهزم جماعة معادية وعبر ثانية إلى الغرب. ثم عاد أدراجه ألى نهر العاصي عند مستوى مدينة ني التي سترسم من الآن فصاعدا الحدود الشمالية للنفوذ المصري، اذ كانت مدينة حلب تعتبر من مواقع الميتاني المحصنة. وفي هذه الأصقاع خرج في رحلة لصيد الفيل، شأنه في ذلك دون ريب شأن جده تحتمس الأول. ثم عاد إلى مصر بعد أن أمن إمداد الموانئ الفينيقية بالمؤن، وهو الأمر الذي سيداوم عليه هند خروج كل حملة. وفي نفس هذا العام دفع الرتنو الجزية، الى جانب الجزية التي قدمها كل من خضعوا له من الناحية النظرية في أعقاب عبوره نهر الفرات وهم أهل بابل وأشور والحيثيون.
وكرست الحملات التسع التالية لمحاولات اخضاع قوات الميتاني في نهارين. وفي العام الرابع والثلاثين من حكمه وأثناء حملته التاسعة سحق تحتمس الثالث ثورة جاهي واستوى على نوجس. واضطر إلى العودة الى المنطقة في العام التالي، لمواجهة تحالف ميتاني جديد شمال غرب حلب، وربما استطاع أن يحقق نجاحا أكبر من الذي أحرزه في العام السابق اذ نرى الحيثيين مضطرين إلى دفع الجزية. أما قصة حملتي السنتين التاليتين فقد فقدتا، ويحتمل أنهما لم تحسما الأوضاع ولم تفعلا أكثر مما فعلته الحملات السابقة. واضطر الجيش المصري أن يغير على منطقة نوجس، وعندئذ انضم الألاخ إلى زمرة الشعوب التي تدفع الجزية، وأصبح أمير حلب لا يسيطر إلى على أملاكه فحسب. وفي العام التالي اقتصرت أعمال تحتمس الثالث العسكرية على سحق ثورة البدو الخاسو. ولم يشن حملة جديدة إلا في العام 42، عندما قام بحملته السادسة عشرة والأخيرة ضد جاهي، حيث أخذت الإمارات الفينيقية تنحاز من جديد إلى جانب الميتاني ، فاستولى على ميناء أركاتو على مقربة من طرابلس، واجتاح تونيب. ثم زحف على منطقة قادش واستولى على ثلاث مدن وأجهز على فريق ميتاني قوي. ووضع هذا النصر حدا للمنازعات بين مصر والميتاني لمدة عشر سنوات، فكان له أصداء ملموسة، وفرض على مدينة أدنا وهي احدى مدن قلقلية في آسيا الصغرى دفع الجزية لمصر. وكانت السنوات الأخيرة من حكمه أكثر هدوءا، فخضع الشرق الأدنى مؤقتا للنفوذ المصري وأقامت مصر علاقات ودية مع بحر إيجه.
تعليقات
إرسال تعليق
add_commentإرسال تعليق